السبت، ربيع الآخر ٢٠، ١٤٢٩

{ مرحباً بالنقد لـ: د.خالد بن صالح المنيف ~

تحدثت الأسبوع الماضي عن القواعد الأساسية التي تجعل منك ناقداً مهذباً مؤثراً، وسأتحدث اليوم عن الطرف الآخر في معادلة (النقد) وهو كيفية التعامل مع النقد وسأهديك مفاهيم تجعل منك شخصاً قوياً قادراً على التفاعل الإيجابي مع النقد الصادق, عصياً على النقد (الآثم) وإليك تلك المفاهيم:

قاعدة أساسية

من الضروري ابتداء التفريق بين مبدأي (تقبل وقبوله) فأنت مطالب دائماً بتقبل النقد كسلوك اجتماعي والترحيب به ويعني الإنصات للمنتقد وعدم الهجوم عليه بتحقيره ونبش ماضيه مع التجاهل التام لكل ما أورده الناقد من ملاحظات، أما قبول النقد فيعني التفاعل مع مضمونه والاعتراف به والرغبة في إصلاح الأمور واستدراكها.

كيف نميز؟

والمعيار الأقوى للتمييز بين ما يقبل وما يتقبل هو صوت الضمير الداخلي وهي تعني أن تقف قبل أن ترد على مسافة تمكنك من تمحيص الرد بعيداً عن الهوى والتعصب، بحيث تتمكن من تقيم الرأي فإن كان في محله فيقبل وإن وجدته في غير موضعه قد حمل تعسفاً فيرفض ويكتفى بالتقبل دون القبول.

متى نرفض النقد؟

* يستحسن التأمل في حالة الناقد حيث إن كثيراً من الناس لديه خريطة ذهنية مخالفة تماماً للواقع فربما لم يفهم الأمر كما ينبغي أو لعله توهم سماع كلمة أو بنى على خبرات سابقة.

* لربما انتقد البعض وقد أثرت عليه عوامل أخرى وجعلت نقده غير موضوعي حيث إن بعضهم يجنح للنقد وهو في حالة شعورية سلبية كامنة في أعماقه كحسد أو غيرة أو غضب وقد وجد في النقد متنفساً لتلك المشاعر.

* عندما يكون الناقد لا يملك معرفة ولا خبرة تؤهله للانتقاد وليس قريناً للمُنتقد كمن ينتقد طبيباً وهو لايفقه في الطب شيئاً أو جاهلاً يخطئ عالماً

* هناك أشخاص تحكمهم قيم ومعتقدات تحتمل (الصواب والخطأ) فيسحبونها على الآخرين بكل تفاصيلها، فمثلاً هناك من يرى أن النوم بعد العاشرة سهراً لذا تراه ينتقد وبشدة كل من يتجاوز هذا الوقت، وهناك من يبالغ في تقدير النظافة فهو يرى أي تقصير صغير قذارة بالغة وهكذا..

* كما يجب أن ينتبه إلى أن هناك من ينتقد ليبرز نفسه ويثبت ذاته كمن ينتقد أحد المفكرين والمشاهير ليثبت أنه قادر على مجاراتهم وأنه ندٌ لهم لكي ينال الإعجاب والتقدير..

نتيجة منطقية

إن أصابك غبار (النقد الآثم) فهو دليل جلي على عظمتك وتفوقك فلا يرمى في الشجر إلا المثمر والأسود الميتة أبداً لا تُركل!

وأفضل رد على هذا النقد(الآثم )هو أن تتثاءب وتنساه!

ولا الخبث يخدعني

* احذر من مكر البعض وخبثه فلربما بدأ حديثه بلين ورفق كأن يقول: (لولا حبك ما قلت لك أو يقول لك إن هذا الكلام في مصلحتك) والحقيقة أن مصلحتك هي آخر همه فكل ما يريده هو أن يشبع (أناه المريضة) بالنيل منك و(سلخك) ليضع مظلة شرعية على سوء نيته (ولتعرفنهم في لحن القول).

أساليب التعامل مع النقد

1- الأسلوب الأول هو (الاعتراف) بالنقد وهو يعني أنك تتفق مع الناقد بقناعة تامة دون أي ضغوط ولو فعلت هذا فأنت تسدد ضربة محكمة لتقديرك لذاتك، كأن يقول لك أحدهم إنك تحتاج لمزيد من الحرص فلو قال لك أحدهما إنك دائماً ما تترك سيارتك في الشمس فهنا لست مطالب إلا بقول: شكراً لك فقط. وهناك حالات تستدعي الاعتذار والتوضيح وهي الحالات التي ننال فيها من الآخرين فيما لو تأخرت على أحدهم وبادرك بانتقاد على هذا التأخر فهنا أنت مضطر للاعتراف وشرح سبب التأخير.

2- الأسلوب الثاني هو(التعتيم) وهو أقرب ما يكون باتفاق جزئي مع المنتقد ويكون هذا عندما يكون بعض ما قيل في النقد صحيحاً فمثلاً عندما يقول زوج لزوجته: أنت لا يعتمد عليك حيث أهملتِ الأولاد ولم توقظيهم للمدرسة وسوف تفسدين مستقبل الأولاد .. والاستجابة الأنسب هي الرد ب (نعم صحيح نعم لقد فات علي إيقاظ الأولاد للمدرسة) دون الالتفات إلى جملتي (لايعتمد عليك) وجملة (إفساد مستقبل الأولاد) فهما مبالغتان وتهويل لا تلفت إليهما أبدا.

3-الأسلوب الثالث هو (الاستقصاء والتدقيق) ويستخدم هذا الأسلوب عندما يجنح الناقد للعموميات أو حال غموض مقصد الناقد فعندما يقول لك مديرك: أنت موظف مهمل فهنا يجب عليك أن ترد عليه بقولك عفواً, يمكن أن تحدد لي مهمل في أي شيء؟

وإذا قالت لك زوجتك: أنت شخص لاتحترمني فهنا يجب أن ترد عليها كيف لا احترمك؟ وماهي التصرفات التي تدل على احترامي لك؟ وماهي التصرفات المطلوبة التي تدل على احترامي لك؟ وهو ما يسمى بلغة ميتا في البرمجة العصبية اللغوية.

نية حسنة وسلوك سيء

هناك حالة كثيراً ما تتكرر وهي عندما يصدق النقد ويسوء الأسلوب وهي كمثل وجبة جيدة قدمت على طبق قديم وإن شئت فقل هي كجرعة الدواء المرة والعاقل هنا يتفاعل معها بحكمة منها فلا تزغ نظرك عنها ولا يجفل قلبك من تقبلها وحاول أن تفصل عواطفك عن حقيقة الأمر وأن تقبل هذا النقد كهدية مقدمة إليك وهذا أيضاً لايمنع من توجيه المنتقد نحو الاعتناء بحسن الأسلوب.

ومضة قلم

قلت ابتسم لم يقصدوك بذمهم

لولم تكن منهم أجل وأعظما

***

ليست هناك تعليقات: